قبسات من الهجرة النبوية المباركة
إن للأمة الإسلامية أحداثاً و ذكريات لها أعظم الأثر فى حياتها ، تنعم بخيرها و تسعد بتذكرها ، و تترك آثارها الصالحة عند من يفهم الغرض منها، و قد سجل لنا التاريخ هذه الأحداث ؛ لنتعلم منها و نعتبر بها، إذ أن تاريخ الأمة هو ذاكرتها الحية، مستودع تجاربها و معارفها، فعلى المسلمين أن يذكروا تاريخهم الحافل، و يعوه جيدا و لا ينسوه، و إلا دفعوا ثمن نسيانهم من استقرارهم ومكانتهم .
- إن هذه المناسبات والذكريات مليئة بالعظات والعبر والدروس النافعة حتى صارت محطات سنوية للتذكر والتوعية ، و تعبئة القوى الروحية و الخلقية التى نحتاج إليها جميعا ، و هى كذلك أطياف إيمان تجدد فينا الحيوية و النشاط ، و العزيمة و الإرادة .
- وحدث الهجرة غير مسيرة التاريخ ، وتجلت فيه قوة العزيمة، وكمال الشجاعة، وصدق الإيمان ، ونهاية التضحية ، وحب الإيثار ، لقد كانت الهجرة مؤشراً لانطلاق الدعوة ، التى ظلت حبيسة فى أرض حسب أهلها أن انتهاك الحرمات إقدام ، و النيل من المستضعفين جرأة و شجاعة .
- ولم تكن الهجرة فرارا من المحنة ، أو مجرد انتقال مكانى ، وإنما كانت فاتحة العمل الجاد المتواصل لتغيير الأرض ، و تحويل مجرى التاريخ ، و وضع أسس البناء الإسلامى الشامخ ؛ ولذلك كانت أكبر أحداث التاريخ البشرى بلا مبالغة ، بل أعظم هجرة فى تاريخ النبوات جميعا من حيث النتائج والآثار ، ومن حيث التفاعلات التى تولدت عنها، والأحداث التى تعاقبت بعدها، و ترتبت عليها .
وبذلك كان يوم بدر و فتح مكة و ما تبعه ، و تطهير الجزيرة العربية من أرجاس اليهود و الشرك ، و إسلام العرب ، و دخول الناس فى دين الله أفواجاً ، و تقويض ممالك الفرس و الروم ، و وصول الإسلام إلى الصين شرقا والأندلس غربا ؛ كل هذا وأكثر منه سيظل مديناً بقدرٍ كبير لهذه الهجرة النبوية المباركة .
استشار عمر فى التأريخ ، فأجمعوا على الهجرة
ولأهمية الهجرة المباركة ومكانتها بين الأحداث الإسلامية أرخ المسلمون بالهجرة كمعلمٍ بارز فى تاريخ الدعوة ؛ و لما للهجرة من آثار على انتصار الدعوة و ظهورها و لأنه بالهجرة ولدت دولة الإسلام .
- وذكروا فى سبب عمل عمر رضى الله عنه التأريخ بالهجرة " أن أبا موسى كتب إلى عمر : أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ ، فجمع عمر الناس ، فقال بعضهم : أرخ بالمبعث ، و بعضهم قال : أرخ بالهجرة ، فقال عمر : الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها ، و ذلك سنة سبع عشرة ، فلما اتفقوا ، قال بعضهم : ابدؤوا برمضان فقال عمر : بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم ، فاتفقوا عليه " .
ومما يروى أيضاً : أنهم أعرضوا عن التأريخ بمولده و مبعثه و ومماته صلى الله عليه و سلم – لأن المولد و المبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع فى تعيين السنة ، و أما الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه صلى الله عليه و سلم .
لقد كان عمر رضى الله عنه و من معه يحرصون كل الحرص على ألا تذوب شخصية هذه الأمة فى شخصية غيرها من الأمم ، إذا لم يرضوا أن يكونوا فى تاريخهم تبعاً لأمة من الأمم ، بل كانوا مبدعين فى كل شىء ، ليسوا إمعات ولا ببغاوات ، يستوردن فكرهم و ثقافتهم و تاريخهم من غيرهم .
- لقد تجلى فقه الصحابه رضوان الله عليهم ، فى هذه الموازنة الفذة بين الأحداث ، ثم اختيار الهجرة بذاتها لتكون عنواناً و رمزاً للتاريخ الإسلامى ، إذ أنهم اعتبروا الهجرة بداية وجودهم الحقيقى فى هذه الحياة ، لقد كان هذا العمل منهم فهماً عميقاً لرسالتهم ، لأن الهجرة كانت عملاً غير الله به وجه التاريخ الإنسانى بعد أن مال ميلاً عظيماَ ، و دفع به إلى وجهته الصحيحة مستقيماً غير ذى عوج ،
لقد أذن الله تعالى – بهذه الهجرة – أن تقوم فى المدنية دولة الإسلام ، فحمت المؤمنين من عربدة الجاهلية و حققت حكم القرآن فى واقع الحياة ، وجعلت الإسلام حقيقة بارزة ترى و تسمع فى الأرض ، و أقامت المجتمع الإسلامى نموذجاً متفرداً بين الأمم جميعاً ، وغدت قاعدة الإسلام و داره التى يأوى إليها المعذبون فى الأرض ، فيجدون الأمن و الإيمان ، و يتعلمون الدين و يتزودون بالفضائل و الأخلاق ، ثم يخرجون إلى أطراف الأرض دعاة و هداة .
- وغدت هذه الهجرة بفضل الله تعالى ، ثم بفضل الجهد البشرى الصبور أكثر الهجرات بركة ، و أعظمها آثاراً ، و أوضحها نموذجاً عملياً للناس يمكنهم الاقتداء به ، و محاكاة وسائله البشرية التى لم تقم على الخوارق ابتداءً ، و إن تلبست بعناية الله تعالى فى كل خطوة و حركة .
- لم تكن الهجرة فراراً من الجهاد أو تهرباً منه ، كلا و إنما كانت إعداداً لأعبائه ، و لم تكن خوفاً من الأذى ، و لكن توطيداً لدفعه ، و لم تكن جزعاً من المحنة ، و لكن توطيناً للصبر عليها ، أجل لم تكن فراراً من القدر ، و لكنها كانت فراراً إلى القدر .
- إذن لم كانت ؟ كانت ؛ لأن الإسلام يتطلب أن يعيش له ، و أن يحيا من أجله كل فرد من أبنائه ، حتى يقيموا له على ظهر الأرض أمة راسخة البناء ، و دولة سامقة اللواء ، إن هؤلاء المهاجرين كانوا وقود الغزوات و المعارك الكبرى التى دارت رحاها لهدم كل السلطات المستبدة ، و لم يؤثر عن مهاجر أنه تردد فى مواطن الموت لحظة .
الهجرة و الأخذ بالاسباب المشروعة و التأييد الإلهى
- إن الهجرة يتجلى فيها التعامل مع الأسباب ؛ لأن ذلك من الدين ، إذ الأسباب ما هى إلا أدوات للقدرة العليا، ومفاتيح لخزائن رحمة الله عز وجل ، إن من تأمل الهجرة ، و رأى دقة التخطيط فيها ، و دقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها ، يدرك أن التخطيط جزء من السنة النبوية ، بل هو جزءٌ من التكليف الإلهى فى كل ما طولب به المسلم ، و لابد أن نعلم أن هذه العبقرية فى التخطيط ، ما كان بها وحدها يكون النجاح ، لولا التوفيق الإلهى ، و الإمداد الربانى ، فالهجرة جرى فيها القدر الإلهى من خلال الأخذ بالأسباب البشرية .
- لقد سجل الله عز وجل نصره للنبى صلى الله عليه و سلم ليكون درساً لجماعة المسلمين متجدداً فى كل عمل ، فعلى المسلمين أن يتموا استعدادهم ، و يأخذوا بالأسباب ، و يستجمعوا الجهد و يستفرغوا الوسع ، تاركين ما يبقى فوق طاقاتهم لعون الله عز وجل و تأييده ، و على العاملون للإسلام بذل وسعهم أولاً ، ثم يتركون النتائج لله فى ثقة و يقين ، و ليعلموا أن المسافة بين و اقعنا و بين نصر الله ، هى نفس المسافة بين ما يبذله كل واحد منا فى واقعه من جهد و أقصى جهد يستطيع كلُ منا أن يبذله ، إن الله لا ينصر المفرطين ، و إذا تكاسلت عن أداء ما عليك و أنت قادر ، فكيف ترجو من الله أن يساعدك ، و أنت لم تساعد نفسك ؟
- ويظهر التأييد الإلهى فى أكثر من موقف فى الهجرة : إخبار جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه و سلم بمكيدة قريش لقتله ، و أمره ألا ينام فى مضجعه تلك الليلة ، قائلاً له : " لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه " ، و خروجه صلى الله عليه و سلم من بين أيديهم و هم لا يرونه ، وحماية الله و حفظه لنبيه صلى الله عليه و سلم فى الغار .
ويلاحظ أنها جاءت بعد أن أخذ الرسول صلى الله عليه و سلم بكافة الأسباب المتاحة ، و هذا شأن المؤمن مع الأسباب ، أن يقوم بها كأنها كل شىء فى النجاح ثم يتوكل – بعد ذلك – على الله ؛ لأن كل شىء لا قيام له إلا بالله ، فالنبى صلى الله عليه و سلم خطط و دبر للهجرة و أخذ بكل أسبابها الممكنة للبشر ، فى المكان و الزمان ، و الدليل ، و الراحلة ، و الصاحب ، و الإتجاه ، و الزاد ، و الغار ، و الخروج بليل ، و تسجية على رضى الله عنه على فراشه صلى الله عليه و سلم – كل ذلك مع توكله المطلق على ربه و مولاه الذى كان يجرى له الخوارق بعد استفراغ غاية الجهد ؛ و لذلك قال لصاحبه : " لا تحزن إن الله معنا" و لم يقل : لا تحزن إن خطتنا محكمة ، و هى بالفعل محكمة ، لكن الأمر كله لله من قبل و من بعد .
الثقة فى نصر الله
- وأصحاب الدعوات لا ينظرون إلى الأمور على ضوء الحاضر المؤلم، والآفاق المظلمة، الحاضر الذي يحكم فيه الحصار حول الدعوة والتضييق على الدعاة؛ لأن ثقتهم فى وعد الله رغم العقبات تجعل هذه العقبات هباءاً منثوراَ، وهذا اليقين هو الذى نطق به صلى الله عليه وسلم وهو يسوق هذه البشرى لسراقة بن مالك " كيف بك إذا لبست سوارى كسرى
الجميع أسهم فى صنع الهجرة
- بالهجرة أصحبت الأمة قوية ، وكانت الهجرة بداية القوة عند المسلمين قاعدة و قيادة ، و أسهم الجميع فى صنع أحداث الهجرة و ما بعدها ، أفراداً و أسر ، رجالاً و نساءاً ، شيوخاً و شباباً ، أغنياءً و فقراءً ، أصحاءً و مرضى ، فبنوا جميعا الدولة الإسلامية و ثبتوا أركانها ، إن الذى صنع تاريخ الأمة هى الأمة بكاملها التفت حول حول رسولها و قائدها و منهجها ، و الأمة اليوم مدعوة أن تصنع تاريخها و تغيير حاضرها بنفسها ، فتوجه الأحداث و تؤثر فيها .
الهجرة تضحية بكل شىء فى سبيل الدين
- إن أعز ما يملكه الإنسان فى هذه الحياة هو دينه ، و الذى لابد له من تكاليف ، و التكاليف لابد لها من تضحيات ، و أبرز دروس الهجرة المباركة هى التضحية ، والتضحية قاسم مشترك لكل من هاجر ، و الهجرة شهادة صدق و تأييد لصاحبها بأنه يؤثر ما عند الله على هوى نفسه ، و يضحى بكل ما يملك فى سبيل العقيدة التى آمن بها ، و اختلطت بروحه ودمه، لقد اشتملت الهجرة المباركة على نماذج رائعة ، تملك علينا كل المشاعر ، ونرى فيها سلوكيات تربوية رائدة ، نحتاج إليها فى مسيرتنا وتحتاج إليها الأمة فى جهادها وصناعة تاريخها ، فهذا أبو بكر ، و هذا على بن ابى طالب ، و هذا صهيب الرومى ، وهذا ضمرة بن جندب ، وهذه أم سلمة ، وهؤلاء أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نماذج ضحت بكل شىء ، المال و النفس و الوطن و الولد و الزوجة و الزوج ، إن الوجود الدولى للمسلمين الأولين لم يمنحوه منحا ، و لم يحصلوا عليه عفوا ، بل بذلوا فى سبيله و ضحوا بكل عرض الحياة و تجردوا بهذا لله ، فتكفل الله لهم بالعوض الكريم عما فقدوه " والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم رزقا حسنا و إن الله لهو خير الرازقين".
الهجرة الباقية المستمرة
- قال الإمام العز بن عبد السلام : الهجرة هجرتان : هجرة الأوطان ، وهجرة الإثم و العدوان ، و أفضلها هجرة الإثم و العدوان ؛ لما فيها من إرضاء للرحمن و إرغام النفس و الشيطان .
...............
- وقال الإمام ابن القيم : الهجرة فرض عين على كل أحد فى كل وقت ، و أنه لا انفكاك لأحد من وجوبها ، و هى مطلوب الله و مراده من عباده ،
إذ الهجرة هجرتان : هجرة بالجسم من بلد إلى بلد .
و الهجرة الثانية : الهجرة بالقلب إلى الله و رسوله ، و هذه الهجرة الحقيقية ، و هى الأصل و هجرة الجسد تابعة لها ، و هى هجرة تتضمن ( من ) و ( إلى ) فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته ، و من عبودية غيره إلى عبوديته ، و من خوف غيره و رجائه و التوكل عليه إلى خوف الله و رجائه و التوكل عليه ، و من دعاء غيره و سؤاله و الخضوع له و الذل و الإستكانة له إلى دعائه و سؤاله و الخضوع له و الذل و الإستكانة له .
مدوامة الدعوة و الحرص على استمرارها
إننا نجد من من معانى الهجرة الانتقال إلى موقع أفضل للدعوة ، و التماس المناخ الأرحب لنشرها بين الناس ، إن واجب الدعوة إلى الله ليس له وقت محدد كالصلاة و الصيام ، فهى واجب كل وقت ، و هى شاغل المؤمن و همه فى كل حين ، و هذا الدرس نتعلمه من النبى صلى الله عليه و سلم و هو فى طريقه إلى المدنية ، حيث لقى بريدة بن الحصيب الأسلمى فدعاه فاسلم بريدة هو و من معه .
الهجرة منهج للتغيير و الإصلاح
إننا فى حاجه ماسة اليوم إلى تحقيق هذه الهجرة فى حياتنا ، هجرة إلى الله و رسوله بفعل الطاعات و ترك المنكرات ، هجرة من الشر و الرذيلة إلى الخير و الفضيلة ، هجرة من الفرقة إلى الوحدة، هجرة من السلبية إلى الإيجابية لتغيير الواقع المؤلم الذى تعيشه الأمة .
التذكير بأحداث الإسلام أداة تربية للأمة
فالقرآن الكريم يثير الذاكرة الخامدة ، فينبهها بعد نسيان ، و يحيى وعيها بعدما غيب و أريد له الغياب ، فالنسيان و تغييب الوعى أمران مستهدفان من أعداء الأمة ، لتظل غارقه فى جهلها بتاريخها غير ملتفتة إليه مستفيدة به ، و حينما تذكر الأمة ماضيها و تعى ما فيه من دروس نافعة و عظات بالغة ، و تستفيد منه بما يصلح أمرها و يصحح مسارها ، تكون فعلا قد وضعت يدها على مصدرالتوجيه السليم الذى تصلح به حال الفرد والمجتمع .
إن الزمن هو وعاء الأحداث ، و مخزن العبر ، والمسلمون مدعوون إلى التذكر و التدبر و لابد من الإعتبار بأحداث الزمان و التذكير بها ، و بسنن الله التى يقوم عليها الوجود ، فقد لفت الله أنظار عباده كى يذكرورا ما سلف من الزمان ، و ما وقع فيه من أحداث فيستخلصوا منها العبر و العظات . قال تعالى فى هذا الشأن: " و ذكرهم بأيام الله " ، أى نعم الله و نقمه فى الأمم الماضية ، و كل الأيام أيام الله و لكن المقصود هنا أن يذكرهم بالأيام التى يبدو للبشرأو لجماعة منهم أمر بارز أو خارق بالنعمة أو بالنقمة ،" إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور " ففى هذه الأيام ما هو بؤس فهو آية للصبر ، وفيها ما هو نعمة فهو آية للشكر .
خطورة أن تفقد الأمة ذاكرتها
الحياة الصالحة رهن بذاكراة واعية ، فحياة الفرد تتجه نحو العزة و القوة و تحقيق الأهداف المأمولة مادام يملك ذاكرة يقظة تضع أمامه أخطاء التجارب السابقة فيتلافها ، كما تجسد أمامه صور النجاح الماضية فيلتمس القدوة منها ، و سنة الله فى الأمة هى سنته فى الأفراد " و لن تجد لسنة الله تبديلا "،
و الأمة عندما تفقد ذاكرتها ضاعت خبراتها و تجاربها و تسد أمامها منافذ العبرة و الموعظة ، و يغيب عنها التصور الصحيح لأهدافها البعيدة ، و الطريقة المثلى لتحقيقها ، فتصبح تعانى التخبط و الضلال و مع فقد ذاكرتها تفقد الأمة ذاتها و هوايتها ، فإذا هى أمة و كأنها ولدت بنت الساعة تستجدى النظم ، و تستعير التشريعات من أعدائها الذين يعرفون قدر تراثها ، ويضعون الخطط الماكرة للحيلولة حتى لا تسترد الأمة الإسلامية أمجادها السابقة ، بل و يمدونها بما يدمر حياتها ، ويضمن لهم بقاءها أمة فقدت ذاكرتها ونسيت تاريخها وفرطت فى تراثها وبددت ثرواتها ، فتظل تابعة لهم تستجدى منهم وهى أمة غنية كرمها الله
كالعيس بالبيداء يقتلها الظمأ ** و الماء فوق ظهورها محمول
إن أمتنا لكى تستعيد الذاكرة المفقودة لابد لها من قدوة ، و الأمة مطالبة بأن تربط مسيرتها بقائدها و قدوتها و نبيها محمد صلى الله عليه و سلم ، فتحذو حذوه ، و تتبع نهجه ، و تقتدى به ، و حسبنا هذا التوجيه الآلهى الكريم " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا "
بين الأمس و اليوم
ونحن أمة الإسلام - إذا نظرنا إلى تاريخنا كأمة ، قرأنا كتابا أوله مشرق و حاضره غير ذلك ، أوله أمة قوية فتية ، تركها الرسول صلى الله عليه و سلم بين الأمم قوية عزيزة لها فى كل مجال من مجالات الحياة أعمال و آثار ، فكان لزاما على أمتنا أن تتعامل مع أمجادها بصورة تجعلها تتخذ منها الدافع القوى للرقى والسمو ، فماضى الأمة موصولا بحاضرها ، و علينا أن نقيس واقعنا على ما كان عليه أسلافنا ، و أن نعمل بجد و اجتهاد لإحراز مجد كالذى أحرزوه ، فعلينا أن نقف مع ماضينا و أحداثه واحدة فواحدة ، و نتخذ منها مصابيح الهداية و الإرشاد ، فليس من حقنا أن ننسى ، و ما ينبغى لنا أن نكون على غفلة ، و مناسبات الإسلام تصافح الآذان ، و تطوف بالأذهان فى كل حين و أوان .
إن هذه المناسبات تقدم لنا مثلا ومبادىء حية ذات روح ، و تعطينا معانى الكرامة و القوة و الإعتزاز ، و تسجل لنا مجدا دائما ، و تحرك فى نفوسنا واقع القدوة و الإتباع ، و تضع أمام أعيننا معالم الهدى و الكفاح و النضال النبوى الشريف ، و هى تهيب بالمسلمين فى مشارق الإرض و مغاربها أن يترسموا خطاه صلى الله عليه و سلم ، و أن يسيروا على نهجه ، و يهتدوا بهديه حتى يرفعوا راية النصر كما رفعها محمد صلى الله عليه و سلم .
إن من الضرورى أن نستقرى تاريخنا الأغر ، و ماضينا الحافل بالمآثر و المفاخر ؛ لنستلهم منه القبس الذى يضىء لنا درب النصر ، و يعلمنا كيف نبنى مستقبلنا المنشود ، و نحقق فى حياتنا هذا الأمل العزيز : صلاح الأمة ، و التمكين لدين الله رب العالمين .
إن لنا دستورا إلهيا كاملا
؛ و لنا تاريخا إنسانيا حافلا ،
فيه لكل عظيمة ذكرى ،
و فيه لكل معضلة هدى
، و لكل قضية بينة ،
فإذا اقتبسنا هدانا من وحى الله
استقمنا على الطريقة التى نهجها الرسول صلى الله عليه و سلم
، و التمسنا دليلنا من روح السلف ،
فتوافينا معا على الغاية ، و انتهينا جميعا عندها إلى الوحدة .